مكانة المرأة عند امير المؤمنين رضي الله عنه
فى أواخر القرن السادس الميلادى، و وسط هذا الظلام المخيم من قضية المرأة فى جميع أنحاء العالم المتمدن و غير المتمدن يومئذ، انطلق من جزيرة العرب، من فوق رمالها الدكناء، و سهولها الجرداء و جبالها الحمراء من مكة: انطلق صوت السماء على لسان محمد (ص) يضع الميزان الحق، لكرامة المرأة و يعطيها حقوقها كاملة غير منقوصة و يرفع عن كاهلها وزر الاهانات التى لحقت بها عبر التاريخ و التى صنعتها أهواء الأمم، يعلق انسانيتها الكاملة، و أهليتها الحقوقية التامة، و يصونها عن عبث الشهوات و فتنة الاستمتاع بها استمتاعا جنسيا حيوانيا، و يجعلها عنصرا فعالا فى نهوض المجتمعات و تماسكها و سلامتها. (1)
و كان لأمير المؤمنين عليه السلام اهتمام خاص بالمرأة فتارة نراه ينظر اليها بما هى آية من آيات الخلق الألهى و تجلى من تجليات الخالق عز شأنه، فيقول عليه السلام:
«عقول النساء فى جمالهن و جمال الرجال فى عقولهم». (2)
فمن الواقع أن كل موجود هو آية و مظهر من مظاهر اسماء الله تعالى و ذلك لأن الخالقية التى هى صفة من صفات الله الفعلية، عبارة من تجلى الخالق فى المخلوقات المتعددة و قد أشار أميرالمؤمنين الى هذا المعنى حيث قال: «الحمدلله المتجلى لخلقه بخلقه» (3)
فعنوان التجلى من الطف و أدق التعابير العرفانية و الذى جاء فى كلمات العترة الطاهرة بحيث استطاع أن يجذب قلوب العارفين و السالكين الى الله تعالى، و ذلك لأن العارف محب قبل أن يكون مفكرا، يعلم صفات مقصوده و يلتذبها، ولا يقتنع بسماع صوت حادى قافلة الحق بل يسعى بلأرتقاء من العلم الى الشهود و من السماع الى العناق» (4)
احكام و صفات المرأة:-
يمكن النظر الى احكام المرأة و صفاتها من زاويتين، و البحث عنها من ناحيتين:الناحية الأولى: الاحكام التى تتعلق بها بما هى امرأة أى تتعلق بها لكونها أنثى، و هذه الأحكام ثابتة و مستقرة على مر القرون فلا تخضع للتبدل و التغيير، مثل وجوب الحجاب، و العفاف و مئا الاحكام التعبدية و غير التعبدية التى تختص بالمرأة و لا تتغير أبدا ولا تختلف فيها جميع النساء فالنساء جميعا سواسية فى هذه الاحكام،الناحية الثانية: ما يتعلق بأسلوب التربية و المحيط الذى تعيشه المرأة فاذا عاشت المرأة فى مجتمع يسمح لها بالتعلم و التفكير فحينئذ لا فرق بينها و بين الرجل. و اذا وجد فى بعض الاحيان نوع من التفاوت فهو كالتفاوت و الاختلاف بين الرجال أنفسهم، فعلى سبيل المثال لو فسح المجال للنساء الجديرات لخوض السلك الدراسى (حوزويا كان او جامعيا) و لتشارك المرأة الرجل فى طلب العلم و الخوض فى المسائل العلمية و المعارف الألهية و تطلع على المسائل و البحوث المطروحة كنظرية المعرفة . و معرفة حقيقة الانسان و الدنيا و الآخرة و سائر المسائل الاخرى المطروحة على الساحة العلمية و كذلك تطلع على طرق و مناهج التعليم و التبليغ كالرجل كما حدث ذلك ببركة الجمهورية الاسلامية. حيث فتح المجال للمرأة لتمارس عملها فى هذا المجال الحساس ـ فهل يصح حينئذ التمسك باطلاق الروايات الدالة على ذم المرأة و المنع من استشارتها و انها ناقصة العقل، كما جاء فى كلام اميرالمؤمنين (ع) «يا أشباه الرجال و لا رجال، حلوم الاطفال و عقول ربات الحجال» (5) و قوله عليه السلام «أياك و مشورة النساء فأن رأيهن الى أفن و عزمهن الى وهن ...» (6)
و انه لا يوجد أى انصراف لهذه الروايات عن مثل هذه النماذج من النساء، هؤلاء النسوة اللاتى حزن من العلم و المعرفة درجة عالية؟! و هل يصح القول بأن هذا القسم من الاحكام كالقسم الاول ثابت ولا يتغير؟! و هل يصح القول ان عقول النساء (العقل النظرى) يرتبط بأنوثتهن. و انهن مازلن اناثا فان عقولهن عقول الاطفال؟! أو ان مثل هذه التعابير ناظرة الى الحالة الموضوعية الخارجية الناشئة من ابعاد هذا الصنف عن ساحة العلم و المعرفة بسبب عامل الحرمان التى يعرض له هذا الصنف المهم من البشرية الناشى من الخطا فى التربية فأنها لم يفسح لها المجال و لم يترك لها الميدان مفتوحا لتثبت قدراتها العلمية و امكانتها العقلية فلو فسح لها المجال فى هذا المضمار لرأينا العكس أو على أقل تقدير نرى ان المرأة مساوية للرجل فى هذا المجال.
فالخلاصة: ان صفة (وهن العزم) لا تشبه الصفات و الاحكام الاخرى كوجوب العفاف و الحجاب اى ليست من الاحكام الثابتة التى لاتتغير بل هى صفة تابعة للظروف و الاسباب الخارجيه فلو توفرت الظروف للمرأة كما هى متوفرة للرجل فأن النمو العقلى و الأدراك عند المرأة سيكون بنوع آخر، اضف الى ذلك أن ذكاء و نبوغ النساء من الامور التى لا تنكر و لقد اثبت التاريخ البشرى و منذ القدم وجود نماذج من النساء النابغات بل اثبتث الوقائع التاريخية ان بعض النساء سبقن الرجال فى اتباع الحق و الاصغاء لنداء السماء.
فحينما اشرقت شمس الرسالة على الجزيرة العربية. و جاء الدين الجديد فى تلك الظروف العصيبة كان تشخيص الحق عن الباطل و اتباع الحق يحتاج نظريا الى عقل رشيد و ذهن و قاد لفهم و ادراك هذا الحق، و يحتاج ايضا الى عزم راسخ و قوة لا تقهر فى اتباع و قبول هذا الدين الجديد و الدفاع عنه لأن قبول الدين و الأعلان عنه يعنى التعرض لأنواع البلاء و المحن ولذلك اصبح الايمان فى تلك الظروف يعد من الامتيازات الخاصة و الفضائل التى يتحلى بها الشخص المؤمن رجلا كان أو امرأة.
و على هذا الاساس نعتبر سبق على (ع) للاسلام من فضائله عليه السلام و ذلك لانه لم يكن سبقا مكانيا أو زمانيا فقط و انه فاقد لأى قيمة جوهرية بل كان يمثل تقدم جوهرى يعكس حقيقة الذات و قيمة الشخصية. من هنا يمكن الاستدلال على تفوق النسوة الاتى آمن قبل ازواجهن تفوقا فكريا و عقليا و الاستدلال على عزمهن الراسخ و قوتهن التى لا تقهر.
ففى الوقت الذى نرى الكثير من الرجال لم يكتفوا بعدم الايمان و داروا ظهورهم كلمة الحق و الرشاد بل نرى الكثير منهم قد وقف جادا فى وجه الرسالة ساعيا لأطفاء نور وحى الرسالة . يذكر مالك بن أنس (95 ـ 179ه) فى كتابه (الموطأ) نماذج فى النسوة الآنى آمن و قد كان ازواجهن أو آباؤهن كفارا، و من هذه النماذج ابنة الوليد بن المغيرة زوجة صفوان بن امية حيث اسلمت قبل زوجها و كذلك ام حكيم بنت الحارث ابن هشام زوجة عكرمة ابن أبى جهل (7)
و قد جاء عن امير المؤمنين عليه السلام فى حديث الأربعمائة عند ما كان يتحدث عن تجهيز الميت و انه يجب على الانسان فى تلك اللحظات ان ينطق بالكلام الصواب الذى لا يعصى الله فيه، نراه عليه السلام يستدل على رأيه بمقولة الزهراء عليها السلام حين وفاة الرسول (ص). قال عليه السلام: فان فاطمة بنت محمد (ص) لما قبض ابوها ساعدتها جميع بنات بنى هاشم فقالت عليها السلام: «دعوا التعداد و عليكم بالدعاء» (Cool
ان الغرض من نقل هذا الحديث هو اننا نرى ان الامام عليه السلام معصوم و كل كلامه حجة ولا يحتاج الى الاستدلال بكلام غيره لأثبات حجية كلامه، مع ذلك نراه عليه السلام يتمسك بكلام الزهراء عليها السلام التى هى حجة فى قولها و فعلها و جميع حركاتها و سكناتها، و من هذه الجهة لا فرق بين الرجل و المرأة فكما ان امير المؤمنين (ع) معصوم و حجة فالزهراء عليها السلام معصومة و حجة. و لذا فالمرأة اذا توجهت الى العلم و المعرفة و تركت زينة الحياة الدنيا و سعت بجد فى تربية نفسها و تنيمة قدراتها الذاتية مقتدية بالزهراء عليها السلام فانها حينئذ ستكون قدوة و اسوة و مثالا يحتذى به حالها حال الرجل الذى يحمل تلك الصفات.
و من هنا نعرف ان غياب المرأة عن ساحة العلم و المعرفة و الحجة و الجدال لا لنقص ذاتى فى شخصيتها لكونها امرأة بل هو نتيجه طبيعة للظروف الخارجية و المحرومية التى تعرضت لها المرأة على مر التاريخ (9)
مكانة المرأة:-
كما نظر اميرالمؤمنين (ع) للمرأة من زاوية كونها آية و تجليا من تجليات الخلق الألهى نراه (ع) ينظر اليها من زاوية اخرى و يقول (ع) «ان المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة» (10) و من المعلوم ان النظرة القرآنية للخلق تشير الى ان الخلق قد امتزج بالجمال و الحسن سواء كان نفسيا أو نسبيا، سواء فى مجال الموجودات المادية أو فى مجال الموجودات المجردة، و هذا المعنى يمكن اداركه من خلال الآتيين التالتين:
الاولى قوله تعالى: «الله خالق كل شى» (11) التى تحصر الخلق بالله سبحانه و تدل على ان كل ما عدا الله فهو مخلوق لله تعالى سواء كان ماديا أو مجردا.
الثانيه: قوله تعالى «الذى احسن كل شىء خلقه» (12) التى تدل على ان نفى العيب و النقص عن عالم الوجود سواء كان فى مجال النشأة المادية أو المجردة، فى مجال ذات الموجودات و صفاتهاكما أنه من الممكن استظهار الجمال النسبى لبعض الموجودات بالنسبة الى البعض الآخر من خلال الآية المباركة «انا جعلنا ما على الارض زينة لها» (13)
و من قوله تعالى «انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب» (14)
فمن خلال هذه الآيات ندرك الجمال النسبى بين الموجودات نسبة بعضها للبعض الآخر (15) و المرأة رغم انها مظهر الجمال الألهى تستطيع كالرجل نيل جميع الكمالات و المقامات المعنوية و هذا لايعنى ان المرأة كالرجل لا بدان تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب و الاعمال الشاقة، بل ان الله تعالى جعل الرجل و المرأة احدهما مكملا للآخر.
فالمرأة ريحانة و زهرة تعطر الرجال بل تعطر المجتمع بعطرها عطر الريحان و الزهور، و لذا المرأة تغذى الرجل بالعاطفة و الحنان و هذا ما ندرك اثاره فى الحروب الاسلامية حيث لامجال فيها للوحشية و العنف و الخراب على خلاف الحروب غير الاسلامية، فخاصية العنف و الوحشية مفقودة بين المسلمين.
ففى الوقت الذى نرى فيه المسلمين يدعون المرأة الى الحجاب و العفة، ولكنهم فى الوقت نفسه يتخذون من عاطفة المرأة محورا أساسا فى مجال التربية، فالأسلام يدعو المرأة لخوض ميادين الحياة المختلفة تحت ظل الحجاب و العفاف و سائر الفضائل الانسانية لتشيع فى المجتمع الصفات الخيرة كالعاطفة، و الرقة و اللطف و الصفاء و الوفاء و الحنان و علاج الامراض الروحية و النفسية و ... فى الوقت الذى نرى فيه العالم المادى يدعو المرأة مجردة من حجابها و فضائلها الانسانية لتكون العوبة بيد الرجل و لتؤمن للرجال اشباع غرائزهم الحيوانية .
يأتون بالمرأة لتكون وسيلة لاشاعة الغرائز و الشهوات لا لاشاعة الفضائل و القيم و من المعلوم ان الشهوة لا تجلب سوى العمى و الصمم. و لذلك نرى الاسلام يؤكد على ان تأتى المرأة لخوض ميادين العمل المختلفة بحجابها بمعنى انها تأتى كمعلم للفضائل و العواطف لا لاثارة الشهوات و الغرائز.
شبهة نقصان الايمان:-
من الشبهات المطروحة فى مجال المرأة من الروايات ما جاء فى نهج البلاغه مما يظهر منها الذم للمرأة
حيث جاء فيه:-
«معاشر الناس ان النساء نواقص الايمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول فاما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام فى أيام حيضهن، و اما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، و اما نقصان حظوظهن فموارثيهن على الانصاف من مواريث الرجال» (16)
للاجابة عن هذه الشبهة نرى من اللازم تقديم مقدمة فى مجال المدح و الذم الواردة فى بعض الآيات و الروايات.
الثناء و الذم تابعان للظروف الموضوعية:-
أحيانا و بسبب الظروف الموضوعية سواء كانت تاريخية، زمانية أو مكانية، نرى ظاهرة من الظواهر أو مدينة من المدن أو قبيلة من القبائل، تتعرض للمدح هى أو ما يتعلق بها، وهذا المدح و الثناء لهذه الظاهرة لا يعنى بالضرورة ان أصل هذه الظاهرة و طبيعتها شىء يستحق الثناء لذاته أو يستحق الذم لذاته.
بل يحتمل ان الأرضية المناسبة قد توخرت و كانت الباعث الى صدور مثل هذه الأحكام؛ فعلى سبيل المثال لو رأينا ان قبيلة من القبائل تعرضت للمدح و الثناء، فمن المحتمل ان هذه القبيلة قد برز منها رجال يحملون من الصفات المثلى قاموا باعمال قيمة وهامة فى زمانهم كانت هى السبب الذى ادى الى صدور هذا الثناء بحق قبيلتهم و من المحتمل أيضا أننا اذا طوينا فترة زمنية اخرى نرى قيام رجال على العكس ممن سبقهم يكونون سببا لذم القبيلة نفسها و تاره اخرى نرى يحدث العكس مع قبيلة اخرى فعلى سبيل المثال ان هناك بعض المدن الايرانية كانت عرضة للذم بسبب الظروف الموضوعية المشار اليها سابقا ولكنها بمجرد ان تغيرت تلك الظروف و خرج من تلك البلاد رجال نبغوا فى مجالات العلم و المعرفة و حازوا على درجات عالية فى التقوى و الورع بسبب الانتماء الى مدرسة اهل البيت (ع) ـ تحولت الحالة من حالة ذامة الى حالة معاكسه تماما.
وهكذا الكلام فى اماكن اخرى مثل البصرة و الكوفة، فانهما تعرضتها للذم فى بعض الظروف ولكن هذا الذم لا يرتبط بالبصرة بما هى بصرة أو بالكوفة بما هى كوفة، بحيث لايتغير ولا يتبدل بل هو ذم تابع لظرفه الخاص فاذا تبدل الظرف تبدل الحكم قطعا و الدليل اننا نرى ان الكوفة هى المركز الاساسى أو هى العاصمة المرتقبة لدولة الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف و قد جاء فيها الكثير فى كلمات الثناء و المدح.
وعلى هذا الاساس لابد من دراسة الذم الذى صدر من قبل اميرالمؤمنين عليه السلام بحق المرأة، ضمن ظروفه الموضوعية. خاصة اذا عرفنا ان الذم قد صدر فى الايام التى وضعت فيها معركة الجمل و التى كان فيها للمرأة دور قيادى فى مواجهة امير المؤمنين عليه السلام.
نبوءة الوحى الألهى:-
لقد تنبأ الوحى الألهى بحدث عظيم سيقع فى مستقبل هذه الأمة، حدث سيكون للمرأة فيه دور كبير و ستكون ردوده السلبية خطيرة للغاية. ولذا حذر نساء النبى (ص) من الوقوع فى هذا المأزق الخطر و أراد لهن الابتعاد عن هذه الفتنة التى سوف تعصف بالامة الاسلامية فقال تعالى: «وقرن فى بيوتكن ولا بترجن تبرج الجاهلية الاولى» (17)
فالله سبحانه الذى هو عالم الغيب و الشهادة أراد لنساء النبى (ص) بصورة خاصة الجلوس فى بيوتهن و عدم الخوض فى الصراع السياسى الذى سيحدث بعد سنين من نزول الآية. ولكن على الرغم من التخدير الشديد و التأكيد القوى بعد الخروج و البترج نرى ان واقعة الجمل قد استطاعت ان تجلب اليها احدى زوجات النبى (ص) لتقف هذه المرأة بوجه سيد الأوصياء عليه السلام، لقد قادت الجيوش و حركة الرجال و طوت الفيافى و الجبال من المدينة الى البصرة لتواجه الامام الشرعى و صاحب الحق الذى لا خلاف فيه.
و من المعلوم ان هذه الواقعة ـ معركة الجمل ـ كانت سببا لصدور بعض الاحكام الذامة و المادحة، فمن وقف الى جانب الحق و ناصره و آزره لا شك انه يستحق المدح و الثناء و من وقف فى وجه الحق يريد اطفاء نورالله لا شك انه يستحق الذم. فالذم الذى تعرض له طلحة و الزبير لموقفهم السلبى من الامام يشمل عائشة زوجة النبى (ص) لأنها وقفت نفس الموقف بل كانت هى المحور الاساسى فى الموجهة العنيفة بينها و بين الامام اميرالمؤمنين (ع) و لذا فالذم الذى توجه الى بعض الشخصيات المشار اليها لا يعنى ان جوهر و ذات الرجل يستحق الذم أو جوهر و ذات المرأة تستحق الذم و انما هى تابعة كما اشرنا للظروف الموضوعية و للموقف الذى يقفه الشخص.
الغنى المالى ليس كمالا:-
النكتة الجديرة بالاهتمام أيضا انه قد ورد فى النص المذكور ان «النساء نواقص الحظوظ» ثم فسر النقص هذا بالجانب المالى فقال «و اما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال» علما ان الثابت عندنا فى المفهوم الاسلامى ان المال لا قيمة له فى تقييم الشخصية سلبا أو أيجابا، و من الشواهد التاريخية التى تؤكد ذلك اننا نرى الرسول (ص) فى اليوم الأول الذى وطأت قدماه الشريفتان ارض المدينه مهاجرا اليها من مكة قد استقبل استقبالا رائعا من قابل جميع أهل المدينة بما فيهم كبار التجار و رؤساء القبائل و قد استعد الجميع لاستضافة الرسول (ص) والقيام بخدمته (ص) ولكنه (ص) رفض جميع ذلك و ترك الأمر المشيئة الألهية و قال لهم دعوا الناقة فأنها مأمورة، فأينما ناخت الناقة فهو المنزل الذى سأحل فيه و فعلا نرى الناقة قد أناخت امام باب افقر انسان فى المدينة ماديا و لذلك فالفقر المالى ليس نقصا كما ان الغنى المالى ليس كمالا.
شهادة المرأة و ظاهرة النسيان:-
المقطع الآخر الذى ورد فى النص المذكور معللا نقص عقل المرأة بمسألة الشهادة فأن شهادة أمرائين تعادل شهادة رجل واحد، و قد ورد هذا المعنى فى القرآن الكريم قال تعالى «فان لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان ممن ترضون من الشهداء» (18) فمن المعلوم ان تحمل الشهادة من الامور الحسية التى تستند الى الحس و المشاهدة، و حضور المرأة كشاهد فى كثير من المواقع اما ان يكون محذورا أو قليلا، و قد اشار القرآن الكريم الى السبب فى هذا التشريع و الحكم و لم يربط القضية بنقص عقل المرأة أو قلة ادراكها و انما علله بقوله تعالى:«ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى» (19) و ذلك لان المرأة و بسبب ظروفها الخاصة و محيطها الخاص بها و مهمتها الأساسية فى تربية الأطفال و اعداد الأسرة كل ذلك يجعل المرأة قليلة الالتفات الى ما يحيط بها فى بعض الأحيان و لذلك تحت ضغط ظروفها الخاصة بها قد تنسى ما شاهدته من وقائع و لذلك احتاجت الى ان تذكرها الاخرى، و النكتة الجديرة بالاهتمام ان الآية تشير الى ان الذى يذكر المرأة الناسية هى المرأة الاخرى و ليس الرجل و هذا ان دل على شىء، فانما يدل على الغفلة فقط و ليس نقصان عقل المرأة بما هى امرأة حيث نرى ان المرأة التى تذكر الحادث هى التى تقوم بمهمة التذكير دون الرجل فالقضية اذا تابعة للظرف الخاص و ليست وليد عامل النقص فى عقل المرأةذم عبادة
المرأة من قبل الرجل:-
الشبهة الأخرى المثارة فى مجال المرأة تتعلق بما ورد فى بعض الروايات التى تحذر من الاقتراب من المرأة و الاتصال بها و من نماذج هذه الروايات ما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال «المرأة عقرب حلوة اللسبة» (20ـ21)
فمن الواضح ان هذه الروايات هى تحذير للرجال لكى لا ينخدعوا امام الشهوات و الغرائز الجنسية فان الرجل يجهل بعاقبة السير وراء غرائزه و شهواته الحيوانيه و هو لا يعلم بما ينطوى تحت هذه الشهوات ـ الجميلة المظهر و اللذيذة المذاق فعلا ـ من اخطار و سموم و لذلك شبه الأمر لمن يتعرض للسع العقرب و هو يجهل ان هذه عقرب مثلا و هذا لا يعنى تشبيه المرأة بالعقرب بل تشبيه للخطر الذى يحيط بالرجل من خلال اتباعه الشهوات فالخطر تابع من الانسياق وراء الشهوة لا من المرأة بما هى امرأة و لذلك نرى أن المرأة نفسها توصف فى القرآن الكريم بانها لباس للرجل كما ان الرجل لباس للمرأة «هن لباس لكم و انتم لباس لهن» (22) فاذا المقصود هو التحذير من الانخداع الظاهرى للشهوات فان حقيقتها سم قاتل على خلاف ظاهرها .
و لذلك لو وقع الرجل اسير شهواته ففى الواقع ان هذا الرجل يصبح عبدا و أسيرا لشهواته التى هى شبيهة العقرب، و لا فرق هنا بين المرأة و الرجل فالمرأة أيضا تكون كذلك اسيرة لشهواتها و غرائزها. غاية ما فى الأمر ان ذكر المرأة فى الرواية باعتبار ان عنصر الاثارة متوفر فيها غالبا لا فى الرجل.
و هذا المعنى الذى ذكرناه فى أشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام فى رسالته الى سلمان الفارسى (رض) حيث وصف الدنيا بنفس الوصف الذى وصف فيه المرأد فقال (ع)
«فانما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها» (23)
و هذه الرواية ليس ذما للدنيا بما هى دنيا و انما ذم لعبادة الدنيا و الانسياق وراء الشهوات المادية. و الشاهد على ذلك اننا نرى الامام عليه السلام فى نهج البلاغة يمتدح الدنيا فى جانبها الايجابى و يعتبرها الوسيلة و الميدان لتحقق جميع الفضائل و انها المنبت الحسن للأنبياء و الصالحين و الأوصياء و ... . يقول عليه السلام «و بالدنيا تحرز الآخرة» (24)
اذا فالذى يذم من الدنيا هو التعلق بها و عبادتها و الانجراف مع تيار الشهوات المادية فيها، و كذلك الذم الذى ورد فى حق المرأة فانه ناظر الى الجانب السلبى منها فقط، و هو الانجراف مع تيار الشهوة الجنسية و عبادة المرأة من هذه الناحية فقط، بل ان المرأة كالرجل فى كونهامن اشرف المخلوقات الكونية.
الاختلاط بين الرجال و النساء:-
يقول امير المؤمنين عليه السلام فى وصيته لولده الحسن المجتبى عليه السلام «واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك اياهن، فان شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من ادخالك من لا يوثق به عليهن، و ان استطعت الا يعرفن غيرك فافعل» (25)
لا شك ان هذا المقطع من الرسالة يشير الى خطورة الاختلاط بين الجنسين سواء كان فى الخارج أو فى البيت.
و قد اعتبر علماء الاخلاق هذا المقطع من الرسالة من جملة الوصايا الأخلاقية الحسنة التى يجدر الاهتمام بها و الالتفات اليها.
و مما لا شك فيه أيضا اننا لو اخذنا هذا المقطع من الرسالة فقط لوحده من دون الالتفات الى الآيات و الروايات الاخرى التى تتعلق بالمرأة فلا شك اننا سنحكم وفق هذا النص بلزوم حبس المرأة داخل البيت و قطعها عن المحيط الخارجى ولا نكتفى بستر الجسد عدى الوجه و الكفين، ولكن الفقهاء لم يفتوا بمضون هذه الرواية و ذلك لتوفر الادلة القطعية الاخرى من الآيات و الروايات و سيرة المعصومين عليهم السلام التى تخالف مضمون هذا المقطع من الرسالة و لذلك حمل الفقهاء و العلماء هذا المقطع على كونه وصية اخلاقية و كونه قيمة خلقية ينبغى الالتفات اليها لا انه حكم فقهى.
و الذى فهمه الفقهاء من هذا المقطع أيضا انه ارشاد الى حقيقة روحية و نفسية تتعلق بالاختلاط بين الجنسين و الذى ينطوى على مخاطر جمة تهتز لها الجبال. فالذى يؤكد عليه السلام و يوصى به هو ايجاد مجتمع مدنى بعيد عن حالة الاختلاط بين الجنسين. فالمجتع الحالى يرى بام عينه النتائج السلبية و العواقب الوخيمة لظاهرة الاختلاط.
فما هو المبرر لتمارس المرأة عملها جنبا الى جنب الرجل، و هل هناك عيب و نقص لو مارس كل من الصنفين عمله على حدة و من دون الاختلاط بالجنس الآخر؟!» () 26)
لا شك ان القرآن الكريم ـ باعتراف العدو و الصديق ـ هو المحيى الأول لحقوق المرأة. و على اقل التقادير انه فى عصر نزوله قد خطا خطوات مهمة فى مجال اعادة الاعتبار للمرأة و تحقيق حقوقها الأنسانية المهدورة.
ولكن النكتة الجديرة بالاهتمام اننا نرى القرآن الكريم رغم اهتمامه بالمرأة و بحقوقها لم يغفل عن صفة الانوثة فى المرأة كما لم يغفل من صفة الذكورة عند الرجل، بل نظر الى المرأة مراعيا فيها طبيعتها الانوثية و جعل احكامه المتعلقة بالمرأة تنسجم معها على اساس كونها امرأة، فالمرأة فى القرآن الكريم هى المرأة فى الطبيعة و الحكم التشريعى منطبق و منسجم مع الوجود التكوينى للمرأة. و لذا نرى اميرالمؤمنين عليه السلام ـ القرآن الناطق ـ ينحى نفس المنحى الذى انتهجه القرآن الكريم فى نظرته الى المرأة حيث يصف عليه السلام المرأة بأنها «ريحانة و ليست بقهرمانة»