هل رأيت يوما اعضاء شخص تتصرف بعكس ارادته؟ صحيح ان الفكرة غير منطقية، ونشاهدها في افلام الكرتون فقط، لكنها حقيقية عند امرأة امريكية تدعى كارين بايرن (55 عاما)، والتي تعاني من حالة نادرة تعرف طبيّا باسم "عارض الطرف الأجنبي". وهي أن يدها ترتفع في الهواء فجأة وتنهال على وجهها بصفعة مؤلمة أو بلكمة قوية على بطنها، وكل هذا بدون إرادتها.
كارين بايرن ويدها تصفعها رغما عنها
وتقول بايرن ايضا إن رجلها تتصرف أحيانا بشكل لا إرادي. كأن تتجه يسارا بينما صاحبتها تريد الاتجاه يمينا وكأن لها عقلا خاصا بها يوجهها بشكل منفرد. وهذه الحالة النادرة، التي أوردتها فضائية "بي بي سي نيوز" الإخبارية، مثيرة للاهتمام ليس لأنها غريبة وحسب، بل لأنها تحدثنا بشيء مدهش عن كيفية عمل الدماغ أيضا.
حالة بايرن بدأت وهي في سن العشرين في أعقاب عملية جراحية لعلاج داء الصرع الذي كانت تعاني منه منذ بلوغها سن العاشرة. وفي هذا النوع من العمليات يزيل الجرّاح جزءا صغيرا من الدماغ حيث تنشأ الإشارات الكهربائية التي تؤدى لنوبة الصرع.
وفي حال الفشل في العثور على هذا الجزء أو في حال استئصاله بدون الفائدة المرجوة، فقد يُمنح المريض خيارا بديلا أكثر راديكالية. وفي حال بايرن فقد وافقت على أن يستأصل الجراح ما يسمى "الرباط الثفني" وهو الألياف العصبية التي تحفظ فصيصي الدماغ الأيمن والأيسر في اتصال دائم ببعضهما بعضا.
وأتت هذه العملية الخطيرة الى بايرن بالشفاء من الصرع. ولفترة قصيرة سارت الأمور على ما يرام. لكن العملية نفسها تركتها فريسة لحالتها الغريبة كعارض جانبي لها. فقد أدهشت طبيبها ذات مرة بأنها تفك أرزار قميصها بيدها اليسرى. وعندما سألها عن السبب في هذا تنبهت فجأة الى أنها لا تفعل ذلك بإرادتها وإنما بإرادة يدها المستقلة تماما عنها. فراحت تعيد بيدها اليمنى الأزار الى مكانها. وما ان فرغت من هذا حتى بدأت اليسرى تفكها من جديد.
تعاني من "صراع قوتين" داخل رأسها
وقالت بايرن إن يدها اليسرى بدأت منذ ذلك الوقت تتصرف وكأن لها عقلا مستقلا. فإذا أشعلت سيجارة بيدها الينمى اختطفتها اليسرى وسحقتها على المطفأة. وأضافت انها فقدت أشياء كثيرة من حقيبة يدها قبل ان تكتشف ان يدها اليسرى هي التي اخرجتها وألقت بها في قارعة الطريق بدون علمها. بل وصل الأمر حد أنها تصفعها أحيانا على خدها أو تلكمها على بطنها أو تنشب أظفارها في فخذها وهكذا دواليك.
ويشرح الأطباء هذه الحالة بالقول إن بايرن تعاني من "صراع قوتين" داخل رأسها. ففي الدماغ السليم، يضمن "الرباط الثفني" تنسيق الاتصال بين فصيصيه الأيمن المسؤول عن الوعي بالمكان والأشكال ويسيطر على حركة اليد والرجل اليسريين، والنصف الأيسر الذي يفعل العكس ويتولى التفكير عموما والمهام اللغوية والاستخلاص.
ولهذا يعتبر الفصيص الأيسر "الأقوى" وصاحب الكلمة الأخيرة في ما نفعل وإن كان بالتنسيق مع الفصيص الأيمن. وما حدث لبايرن بعد استئصال ذلك الرباط هو أن هذا الترتيب اختل تماما فصارت كمَن له عقلان أحدهما (الأيسر في حالة بايرن) هو الذي تستخدمه في الجزء الأعظم من حياتها. لكن هناك الفصيص الآخر، الأيمن، الذي انشق عنها وصار يوجه يدها ورجلها اليسرى على هواه.