بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)
تأتي الذكرى خلف الذكر للإسراء والمعراج نتذكر ايام
المسجد الأقصى وقبة الصخرى وما نلبث ان ننسى هذه الذكرى المباركة
يوم ان سرى الله
بسيد الخلق سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم) بعد عام الحزن بمومت عمه
ابا طالب وزوجته خديجة ورحلة الطائف
أ. د. محيي الدين عبد الحليم
يحتفل
المسلمون كل عام بذكرى الإسراء والمعراج، حيث مسرى رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) إلى المسجد الأقصى ومعراجه إلى السماء، وهو المسجد الذي اتخذه
المسلمون قبلة لهم قبل أن تتحول القبلة إلى مكة المكرمة، وحافظ صحابة
الرسول (صلى الله عليه وسلم) على هذا الحرم المقدس، وكذلك خلفاء الدولتين
الأموية والعباسية والسلف الصالح باعتباره أول القبلتين وثالث الحرمين وحين
احتل الصليبيون المدينة المقدسة لم يهنأ لصلاح الدين الأيوبي بال ولم يغمض
له جفن حتى قام بتحريره من أيدي الصليبيين وأعاد معه مسجد قبة الصخرة
وجامع عمرو بن العاص و36 مسجداً آخر.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن:
أين هو المسجد الأقصى الذي يحتفل المسلمون بذكرى الإسراء إليه والمعراج منه
بعد أن استولى عليه الصهاينة عام 1967 وأحكموا الحصار حوله، وأصبح الدخول
إليه والخروج منه لا يتم إلا بموافقتهم، وذلك على الرغم من أن مدينة القدس
هي مدينة عربية عريقة بناها أجدادنا اليبوسيون وهم من الكنعانيين القدماء
قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، ودخلها عمرو بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين
حيث استقبله بها البطريرك "صقر وقيوس" على رأس أساقفة القدس، وسلمه مفاتيح
المدينة المقدسة، هذا في الوقت الذي قام فيه أمير المؤمنين بإعطائه العهدة
العمرية التي أمنهم بموجبها على أرواحهم وكنائسهم.
والآن نحتفل
بذكرى الإسراء والمعراج في مشارق الأرض ومغاربها في الوقت الذي تواصل فيه
قوات الاحتلال الإسرائيلي مواصلة تهويد القدس عن طريق هدم منازلها، وتغيير
خريطتها الجغرافية، وطمس معالمها، وتغيير طابعها العربي الإسلامي عن طريق
إقامة الحدائق والمنشآت الإسرائيلية وآلاف الوحدات السكنية، إضافة إلى شق
الأنفاق، وعمل حفريات تحت المسجد الأقصى، وسحب الهويات وبطاقات الإقامة من
سكانها العرب الذين توارثوها على امتداد الأجيال وإحلال اليهود محل النواب
والشخصيات الإسلامية الذين يتم ترحيلهم ووضعوا أيديهم علي حائط البراق
بدعوى أنه الحائط الوحيد الذي بقي من هيكل سليمان الذي أعاد بناءه هيرود
الحاكم الروماني للمدينة وقاموا بهدم حائط المغاربة لكي يتحول إلى ساحة تسع
مائتي ألف يهودي وأضاعوا الوقف الإسلامي في هذه المنطقة.
ويواصل
الاحتلال الإسرائيلي إجراءات ضم القدس الشرقية عل الرغم من استنكار الرأي
العالمي لهذه الاستفزازات فقد حذرت كاترين أشنون رئيسة الشؤون الخارجية
بالاتحاد الأوروبي من أن إزالة المساكن الفلسطينية في القدس الشرقية
والمستوطنات اليهودية تعد عقبه أمام عملية السلام وأن الاتحاد الأوروبي لن
يعترف أبداً بضم "إسرائيل" للقدس الشرقية، وطالبت بالتوقف عن الإجراءات
التي من شأنها إضعاف عمليه السلام وذلك بعد أن شرعت "إسرائيل" في بناء 1400
غرفة فندقية في القدس الشرقية في منطقة حديقة أرجوان أرمون هنتصنيف.
وطالب
ريتشارد فالك المقرر الخاص والمعنى بقضية حقوق الإنسان في الأراضي
الفلسطينية المحتلة "إسرائيل" بتجنب ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق
الإنسان محذراً من أن عمليات نقل السكان داخل وخارج الأراضي المحتلة تعد
جرائم حرب بموجب القانون الدولي، مشيراً بذلك إلي خطة رئيس بلدية القدس
بهدم 22 منزلاً في حي سلوان بالقدس الشرقية وحذر من أن يتم تنفيذ هذه
الإجراءات سيمثل انتهاكاً للقانون الدولي ومن هذه الإجراءات ما يرتقي إلي
جرائم حرب وذلك أن "إسرائيل" بوصفها الدولة المحتلة يحظر عليها نقل
المدنيين من القدس الشرقية أو أجبار الفلسطينيين علي تأكيد ولائهم
ل"إسرائيل".
وقد أكد السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد لشؤون
فلسطين بالجامعة العربية أن القدس خط أحمر مشيراً إلى أن هناك وهما في عقل
القيادات الإسرائيلية بأنه يمكن تهويد هذه المدينة وقال في تصريحات صحفية
إن ما يجري في القدس سوف يكون سبباً في الاضطراب والفوضى في هذه المنطقة
بلا حدود، والقدس هي مدينة المسلمين والمسحيين والأديان السماوية جميعاً،
أما تحويلها إلي عاصمة لدولة "إسرائيل" فإنه أمر لا يمكن أن يتم، وسوف يذهب
بعملية السلام إلى الهاوية من خلال زرع بؤر استعمارية بعمق الجزء الشرقي
منها وبلدتها القديمة.
ولقد لجأت "إسرائيل" لكل وسائل الترهيب
لتفريغ المدينة المقدسة من سكانها العرب المسلمين والمسيحيين كما حدث من
مجازر لترهيب العرب في حرب 1948 وما تلا ذلك في نتائج كارثية لحرب يونيو
1967 وهي الحرب التي وفرت ل"إسرائيل" فرصه كانت تحلم بها منذ إنشاء الدولة
العبرية كما أسفرت عن خروج طوابير النازيين تحت طلقات الرصاص وهدير
الدبابات وقد بدأت مشروعات الاستيطان الضخمة تتسارع وتتزايد بعد مجيء إيريل
شارون إلى الحكم في عام 2002، والذي عمل علي فسخ اتفاقات أوسلو من جذورها
كما يفعل نتنياهو حالياً وذلك على الرغم من أن ملف القدس هو مفتاح السلام
والصراع في المنطقة لأنه يمثل القضية الأكثر سخونة والأكثر إثارة للجدل،
ذلك أن قضية القدس ليست قضية الولاية الدينية والروحية فحسب وإنما هي أوسع
وأعمق من ذلك.
إن هذا المكان المقدس الذي يعبث فيه الصهاينة الآن
بدعوى وجود هيكل سليمان أسفله والذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) من أراد أن ينظر إلى بقعه من الجنة فلينظر إلى بيت المقدس، لا يوجد
تحته هيكل سليمان، وهي مجرد افتراءات كاذبة، فعندما فتح المسلمون مدينة
القدس لم يكن بها مقابر ولا هياكل يهودية ولم يكن بها أثر لليهود على
الإطلاق وإلا لكان عمر بن الخطاب قد أمن هذه الأماكن كما أمن كنيسة القيامة
وغيرها من الكنائس اليهودية وقد رفض المسلمون الصلاة في كنيسة القيامة حتى
لا يتخذها المسلمون ذريعة لتحويلها إلي مسجد ولو كانت هناك أثار يهودية
لزارها عمر لأن اليهودية دين سماوي.
وتشير حقائق التاريخ إلى أن
إقامة اليهود في القدس لم يتم إلا أثناء حكم داوود وسليمان لمده سبعين سنه
فقط، لم يقم فيها داوود أي معبد أو هيكل بل ظل يؤدي صلاته في خيمة من الشعر
إلا أن سليمان بن داوود قد بني معبد صغيراً خاصاً بالملك وحاشيته وهو ما
يسمونه بالهيكل الأول وكان قد تم هدمه علي يد الأشوريين وعندما عاد اليهود
إلى فلسطين أيام قورش الفارسي بني له معبداً وهو المعبد الثاني، وكان
الإغريق قد قاموا بحرقه وتدميره، وعندما دخل الرومان مدينة القدس وأقاموا
المعبد الثالث كان تقام فيه الحفلات الرسمية، وعندما ساءت العلاقات بين
اليهود والرومان أمر نيرون بحرق أورشليم كما أحرق روما وألغى اسم أورشليم،
وأصبح اسمها "أليا كا بيتوليا" وظلت هكذا حتى فتحها المسلمون عام 636م.
وهذا
يعني أن الوجود اليهودي في فلسطين كان متقطعاً، أي أن وجودهم العارض في
فلسطين لا يعطيهم حقوقاً مدنية، إلا أن "إسرائيل" لا تهتم بهذا الأمر وتضرب
بعرض الحائط.
أي قوانين دولية تصطدم مع مخططاتها في تهويد المدينة
المقدسة، وقد اعتادت على اللامبالاة وعدم الاكتراث بقرارات الأمم المتحدة
ولا تحفل بالرأي العالمي وتفعل ما يحلو لها وهي واثقة أنه لا يوجد من
يوقفها عند حدها، فالولايات المتحدة تدللها والرئيس الأمريكي يعلن كل يوم
عن تعهده بحماية أمنها والحفاظ علي مكتسباتها ونتيجة لذلك نري نتنياهو ومعه
ليبرمان وإيهود باراك يواصلون إقامة المزيد من المستوطنات في غزة والضفة
الغربية وفي مدينة القدس وهي مستوطنات تفتقر إلى الشريعة الدولية وتخالف
قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة واتفاقات جينيف ومواثيق حقوق الإنسان
وتستمر عمليات تهويد القدس الشرقية وعرقلة كافة الجهود الرامية لتحقيق أي
تسوية سياسية.
وفي الوقت الذي يرتكب فيه نتنياهو أبشع الجرائم في حق
الفلسطينيين ويعلن في الليل والنهار أنه لن يتخلى عن مدينة القدس ولن يسمح
للعرب بالسيطرة عليها مرة أخرى فهي العاصمة الأبدية للدولة الإسرائيلية.
فإننا
نجد 22 دولة عربيه تندد فقط وتشجب العدوان الإسرائيلي، و"إسرائيل" سعيدة
بهذه الحملات الكلامية التي لا تقدم ولا تؤخر فهي لا تعبأ بهذه النداءات
الرافضة لمخططاتها في التهويد والصهاينة ولا تكترث بأية إدانات، ولا يقم
لها وزناً لأنها تعلم أن العرب لن يفعلوا شيئاً يرغمها علي قبول أية حلول
تنال من إستراتيجيتها في إقامة دولة يهودية خالصة وقد تأكد ذلك بعد العدوان
الإسرائيلي الأخير علي أسطول البحرية التركي الذي قامت به قوات
الكوماندوز.
إن ما جري لهذه القافلة التي جاءت لتقديم معونات
أنسانيه للفلسطينيين في غزة يعد جريمة حرب كاملة الأركان، فهي قرصنه بحرية
وقعت في المياه الدولية وعلي بعد يزيد عن ثمانين ميلاً من السواحل
الإسرائيلية، وعلي الرغم من بشاعة هذه الجريمة التي راح ضحيتها تسعة قتلي
وخمسون جريحاً فقد جاء قرار مجلس الأمن ضعيفاً لا يشكل رادعاً يمنع
"إسرائيل" من تكرار عدوانها أو يحد من نزعتها الإجرامية التي تزاد غلواً
يوماً بعد يوم ، ويرجع ذلك إلى إحساسها بأنها دوله فوق القانون وفوق العقاب
وفوق المجتمع الدولي ولا يستطيع أحد أن يمسها